اتهم الكاتب ديفيد هيرست في مقاله على موقع ميدل إيست آي الزعماء العرب والمسلمين بخيانة القضية الفلسطينية عبر دعمهم لخطة السلام التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة. ورأى أنّ هؤلاء القادة، الذين طالما ادّعوا الدفاع عن الفلسطينيين، قد استسلموا بدافع الخوف والمصالح الضيقة، مقدّمين لسكّان غزة "مكافأة مُرّة" بعد عامين من الإبادة الجماعية.
أوضح هيرست أنّ القادة العرب تذرّعوا بأنّهم تعرّضوا للخداع، إذ قالوا إنّ الخطة التي طُرحت في واشنطن تختلف عن المسودة التي وافقوا عليها في نيويورك. لكنّ الكاتب يرى أنّ ذلك مجرّد تبرير ضعيف، لأنّ الأسماء نفسها بقيت موقّعة على البيان الداعم للخطة من دون أيّ انسحاب أو اعتراض.
وأشار إلى أنّ الغضب اجتاح قطر بعد استبعادها من دور الوساطة، فيما عبّرت مصر عن استيائها من تقليص دور السلطة الفلسطينية، خصوصًا مع إبقاء الاحتلال الإسرائيلي لقواته في رفح وعلى الحدود مع سيناء. ومع ذلك، ظلّ البلدان ضمن قائمة المؤيدين للاتفاق الذي يمنح غزة شكلاً جديدًا من الحصار والاحتلال بدلًا من إنهائهما.
وبيّن الكاتب أنّ الزعماء العرب اختاروا دعم خطة تُبقي مفاتيح غزة في يد بنيامين نتنياهو، وتمنحه سلطة تحديد سرعة الانسحاب، وحجم المساعدات، ومجالات الإعمار. فلا جدول زمني واضح للانسحاب، ولا ضمان لوقف التهجير أو الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين.
وأوضح هيرست أنّ الخطة الجديدة تُقصي الفلسطينيين عن أيّ دور في إعادة إعمار القطاع، وتفصل غزة عن الضفة الغربية فصلًا كاملًا، لتقضي فعليًا على فكرة الدولة الفلسطينية الموحدة. حتى السلطة الفلسطينية، التي جُرّدت من السلاح مسبقًا، تواجه الآن شروطًا مهينة: وقف قضاياها ضد إسرائيل في المحاكم الدولية، إلغاء رواتب عائلات الشهداء، وتعديل المناهج التعليمية والإعلام.
وانتقد الكاتب غياب أيّ خطة عربية موازية أو موقف جماعي مضاد، مؤكدًا أنّ "الخيال العربي" عن مقاومة تمدّد إسرائيل صار وهمًا. فبين المسودة الأولى التي أُقرّت في الأمم المتحدة والنص النهائي الذي أُعلن في البيت الأبيض، تقلّصت التزامات إسرائيل وتوسّعت امتيازاتها. إذ استُبدل النص الذي يفرض إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا بعبارة فضفاضة عن "الدعم الكامل"، وأُلغيت الإشارة إلى انسحاب كامل من غزة لصالح انسحاب مشروط بنزع السلاح وإقامة "طوق أمني".
ولفت هيرست إلى أنّ المستشار الأمريكي ستيف ويتكوف وصهر ترامب جاريد كوشنر غيّرا نص الاتفاق مع نتنياهو تغييرات جوهرية، بينما وصفها الإعلام الإسرائيلي بـ"التعديلات". وأوضح أنّ قطر حاولت تأجيل إعلان الخطة دون جدوى، فيما رحّب نتنياهو بالتعديلات التي ضمنت له السيطرة على انسحاب قواته من غزة وعلى حدودها بعد الإفراج عن الرهائن.
واعتبر الكاتب أنّ البنود النهائية تُظهر أنّ إسرائيل ستحافظ على وجودها في معظم أراضي القطاع حتى بعد ما يسمى "الانسحاب الأولي"، إذ رُبط أيّ انسحاب بمراحل "نزع السلاح" وبالتنسيق مع القوات الدولية والولايات المتحدة، ما جعل نتنياهو يعلن بكل ثقة رفضه لأيّ دولة فلسطينية.
ويشير هيرست إلى أنّ الخطة الأمريكية لا تتضمّن اعترافًا بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، بل تصف الدولة الفلسطينية كـ"طموح" مشروط بإعادة إعمار غزة وإصلاح السلطة الفلسطينية، وهو ما يجعل إسرائيل الحَكَم الوحيد في هذا المسار.
ويضيف أنّ الخيانة لم تبدأ بتوقيع الخطة فحسب، بل امتدّت إلى قبول هؤلاء القادة بتصوّر ترامب المنحاز لإسرائيل بالكامل، والذي يرى الفلسطينيين مجرد عمّال مهاجرين بلا وطن. فقد برّر ترامب خلال المؤتمر الصحفي تدمير المستشفيات والمدارس في غزة باعتبارها "مواقع عسكرية"، في إنكار صريح لجرائم الحرب.
وتحدّث الكاتب عن عودة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إلى المشهد عبر "مجلس السلام" الجديد، وذكّر بدوره التاريخي في إقصاء حماس وشرعنة حصار غزة منذ عام 2006. ووصف حصول بلير على جائزة "دان ديفيد" الإسرائيلية العام الماضي بأنه دليل على "المكافأة على التواطؤ".
ويرى هيرست أنّ الخيارات أمام حماس قاتمة، فقبول الاتفاق يعني فقدان كل أوراق الضغط دون ضمان لوقف الحرب أو إطلاق الأسرى، بينما رفضه يعني استمرار العدوان بدعم أمريكي مطلق. أما الدول العربية كالسعودية والإمارات والأردن ومصر، فلم يُظهر أيٌّ منها مقاومة تُذكر، في حين صدمت مشاركة تركيا وقطر الكاتب الذي اعتبرهما شريكتين في الخيانة بعد تحذيرهما سابقًا من الوثوق بالوعود الأمريكية.
ويختم هيرست مقاله بتأكيد أنّ الصفقة منحت إسرائيل الضوء الأخضر للبقاء في غزة والعبث بالمسجد الأقصى وبناء المزيد من المستوطنات، مكرّرة تجربة أوسلو لكن بطريقة أكثر قسوة. فالفلسطينيون، كما يقول، يُطلب منهم "التخلّي عن رايتهم الوطنية والعيش في الزوايا التي لم يستولِ عليها المستوطنون".
ويخلص إلى أنّ الفلسطينيين يعيشون اليوم أكثر عزلة من أيّ وقت مضى، بعدما قابل حكّام العرب والمسلمين صمود غزة الأسطوري بالخوف والأنانية، وتركوا شعبها يواجه مصيره وحده.